* الجزء الأول *

الظلام دامس والسكون والهدوء يعم المكان، وكل إنسان نائم في هدوء في فراشه الدافيء، إلا صديقنا ( كريم ) البالغ من العمر 8 سنوات... الذي لم يذق طعما للراحة أبدا، وها هو يستيقظ على صوت شجار والداه كالعاده.. وضع كريم يده على أذنيه ليحجب صراخهما عن رأسه ولكن لا فائدة... وحاول بعدة طرق ووضع رأسه تحت الوسادة ولا جدوى... فالصوت أيقظ الجيران الذين يبعدون عنهم بأمتار تفصلها جدران... فما بال المسكين كريم الذي معهم في نفس المنزل؟
أبعد كريم الغطاء عن وجهه بيأس بعد أن علم أن لا أمل في النوم مجددا، رفع رأسه ونظر للساعة بجانبه فوجدها الخامسة صباحا... إستلقى مجددا على السرير وظل يستمع لشجارهما المتواصل.
وفجأة سمع صوت الآذان، فجلس على سريره ومسح أثر النوم من على عينيه ثم خرج من غرفته ونظر لوالديه قائلا "صباح الخير...!" ، ولكن كريم لاحظ أنهما منسجمان في الشجار لدرجة أنهما لم يسمعاه. فغضب كريم ثم صرخ قائلا "إنه الآذان!!!!!!" فسكت الأب والأم بدهشة ثم إلتفتا لكريم.
فقالت الأم "عزيزي... هل إستيقظت؟؟ هل أزعجك صراخ والدك؟؟؟"
الأب "ماذا!!!! بل صراخ والدتك!!"
الأم "لن أتشاجر معك إحتراما للأذان!!!"
فإلتفت الأب بغضب ودخل ليتوضأ..

ثم قال كريم "إلى متى ستتشاجران هكذا؟؟"
إقتربت الأم وحضنت كريم وهي تقول "أحاول دائما أن أسيطر على أعصابي لكن لا جدوى...!"

وهكذا خرج الأب للصلاة في الجامع ولحق به كريم. ومضى الوقت حتى أشرقت الشمس ونشرت شعاعها في الأفق لتخبر الجميع أن يوم جديد قد ظهر... فانهض أيها النائم.. واعمل أيها الكسلان...

كان كريم في غرفته يقف أمام المرآة يلقي نظرة أخيرة على ثيابه ليستعد للذهاب إلى المدرسة وهو مرتب المظهر، ثم دخلت والدته للغرفة ووضعت طعام الإفطار في حقيبته، ثم وقفت وراء كريم بينما ينظر للمرآة ووضعت يدها على رأسه وهي تقول "هل أنت مستعد؟" فأجابها "نعم.."
وفجأة سمعا صوت شخص يجري بسرعة مسببا هزّة أرضية مخيفة... وأخيرا وصل ذلك الشخص والذي هو والد كريم ووقف أمام الغرفة ثم صرخ قائلا "ألم أطلب منكِ أن تقومي بكيّ القميص؟! كيف سأرتديه الآن؟!"
الأم "لستَ طفلاً صغيراً !!! كنتَ تفعل هذا بنفسك منذ زمن!!!"
الأب "لكنكِ تعلمين أنني مشغول!!!"
الأم "بالشجار معي!!!"
وفجأة قطع كريم شجارهما بصرخة عالية يقول فيها "توقفاااااا عن الشجااااار !!!!!" ثم أخفض رأسه بحزن ودمعت عيناه حزنا. فاقتربت الأم منه وضمته لصدرها وهي تقول "لا تبكي يا كريم.. أرجوك!"
الأب "أرأيتِ ما فعلته؟؟"
الأم "ماذا؟! أنا؟! أنت من بدأ الشجار!!!"
الأب "لا بل أنتِ!!! لو قمتِ بكيّ القميص لما حدث هذا!!!"
وفجأة جرى كريم بغضب وخرج من المنزل وذهب لمدرسته. وعندما وصل لفصله دخل وجلس في مقعده ووضع رأسه على المقعد وبكى بحزن على الحياة التي تملأها الشجار والصراخ والكره. فاقتربت منه المعلمة بعد أن لاحظت أنه منهار بالبكاء. فانحنت إليه ووضعت يدها على ظهره وقالت "كريم؟ ما بك يا صغيري؟" فأجاب كريم دون أن يرفع رأسه "لا أريد العودة إلى المنزل!!" ... فتعجبت المعلمة مما قاله كريم، وعلمت أن هناك مشكلة يعانيها في منزله، فقررت أن تذهب لمكتب الإدارة وتبحث في سجل الطلبة عن رقم هاتف منزل كريم.

وفي ذلك الوقت كانت والدة كريم تقوم بتنظيف المنزل وفجأة رنّ الهاتف، فرمت أدوات التنظيف من يديها وأجابت قائلة "مرحبا ... من معي؟"
المتصل "مرحبا سيدة إلهام... أنا معلمة كريم في المدرسة..."
الأم "أ...أهلاً.. ماذا هناك؟ هل حدث مكروه ما لولدي كريم؟"
المعلمة "في الحقيقة... لاحظت تغيّر حالة كريم النفسية هذه الأيام!! فهل تعرفين السبب؟ أصبح كثير البكاء وكثير العزلة عن أصحابه! وقليل الإنتباه في الحصّة أيضاً... مع أنه كان من أفضل الطلاب بالنسبة لي...."

دهشت الأم حين سماعها هذا الكلام وعلمت أن كل ما يدور في المنزل من شجار بينها وبين زوجها ( رائد ) يسبب في ضرر لحالة كريم النفسية،..... ظلت الأم تفكر في الموضوع في صمت وقلق. فقالت المعلمة "سيدة إلهام؟ هل تسمعينني؟"
الأم "أ.. أجل.. في الحقيقة... نعاني بعض الظروف هذه الأيام... سـ.. سيتحسن كل شيء بإذن الله..."
المعلمة "حسنا.. اتمنى هذا.. شكرا جزيلا لكِ! وسامحيني على التدخل..!"
الأم "لا بأس... شكرا.."
ثم أغلقت الأم سماعة الهاتف وكلمات المعلمة مازالت تدور في ذهنها.. فحدثت نفسها قائلة "يإلهي.. ما العمل؟!"

ومضى الوقت حتى إنتهى الدوام المدرسي وعاد كل طالب لمنزله، ثم فتحت الأم الباب ورحّبت بكريم واستقبلته بحضن دافيء وقبلة جميلة، جعلت كريم يظن أنه في حلم... ثم جاء الأب وفعل نفس الشيء معه، فقال كريم بسعادة "أتحبان بعضكما البعض؟"
الأب "نعم يا بني!"
كريم "ألن تتشاجرا مجددا؟"
الأم "نعم يا عزيزي.. لن نتشاجر!!"

ففرح كريم كثيرا وعانق كل من أبويه بسعادة، وبينما هو يعانقهما، نظر الأب والأم بطرف أعينهما لبعض وملامح الغضب تكاد تخفي ملامحهما الحقيقية... ثم إلتفت كل منهما بعيدا وكأنه يقول للآخر أن هذا الصلح فقط لأجل كريم... لا لأجل عينيك!!!

ومضت الأيام وكل من الأب والأم يخفيان غيظهما وكرههما حتى جاءت اللحظة التي لم يعد للصبر مجالا أبدا..
فبينما كان كريم جالس في غرفته يدرس، طار الكتاب من يده بسبب الخوف والفزع الذي أصابه عندما سمع شجار الأب والأم أعلى من السابق..
وكان كل منهما يتشادر مع الآخر محاولا جعله يخفض صوته لأجل كريم ولكن لا فائدة، وبدأ الصراخ يعلو ويعلو حتى سمع كريم صوت أشياء تتحطم، فعلم حينها أن أحدهما إعتدى على الآخر بالضرب..
فـقـفـز من سريره مسرعا وجرى نحو الباب فوجد الأم ملقاة على الأرض وبجانبها تحفة محطمة، فجرى كريم وعانق أمه بخوف، وكان الأب يقف أمامها ودمه يغلي من الغضب.
وفجأة خرجت من فمه كلمة... شقـت سمع كريم.... لم تترك أثرا للسعادة في قلبه.... ولا أمل في مستقبله... ولا إبتسامه على شفتيه... ألا وهي كلمة الطلاق!!! نعم... لقد طلّق الأب زوجته ثم خرج من المنزل دون زيادة أي كلمة أخرى...
ما هو مصير المسكين كريم الآن؟؟ ومع من سيعيش؟؟؟